الإفراج عن المعتقلين السياسيين كان أحد أهم مطالب حركة 20 فبراير، وقبل الحركة ناضلت الجمعيات الحقوقية وهيئات الدفاع وعائلات المعتقلين من أجل إيجاد حل منصف وعادل لهذا الملف الشائك. الخميس الماضي استجاب الملك محمد السادس للشطر الأول من هذا المطلب، واستعمل حق العفو الذي يوجد بين يديه للإفراج عن 100 معتقل في مقدمتهم السياسيون الخمسة في ملف بليرج (المرواني، معتصم، الركالة، السريتي والعبادلة) وتخفيض عقوبة 95 آخرين. المبادرة جاءت من المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يديره اليازمي والصبار، وهذه نقطة تحسب لهذا المجلس الذي ولد ولادة جديدة، والمعول عليه في أن ينهض، حقيقة لا مجازا، بأوضاع حقوق الإنسان في المغرب بكل جرأة وشجاعة وإيمان حقوقي متجذر.
القرار الملكي بالعفو عن جزء من المعتقلين السياسيين الذين حوكموا بقانون الإرهاب الظالم، وأمام محاكم وقضاة لم يوفروا الحد الأدنى من المحاكمة العادلة.. قرار شجاع، ولو أنه تأخر لأكثر من سنتين، فالملك اعترف في حوار مع إلباييس سنة 2005 بأن محاكمات الإرهاب عرفت تجاوزات وأخطاء، وكان لا بد من فتح ملف هذه المحاكمات آنذاك، وإنصاف من يستحق الإنصاف، ومعاقبة من يستحق العقاب. الآن لا بد من استكمال الشطر الثاني من هذا القرار، وإعادة فتح ملفات كثيرة ظلم فيها من ينعتون بمعتقلي السلفية الجهادية، حيث إن المحاكمات كانت شكلية، والأحكام كانت تصدر من لدن الأجهزة الأمنية والمخابراتية، وممن كان يمسك بهذا الملف في وزارة الداخلية ومديرية الشؤون الجنائية...
إن بداية طي هذه الصفحات المؤلمة التي كتبت بمداد أسود في مرحلة ما بعد هيئة الإنصاف والمصالحة وتوصياتها، مناسبة لطرح سؤال: كيف السبيل لعدم تكرار ما جرى في هذا الملف وملفات أخرى؟ الجواب هو إصلاح عميق للعدالة في المغرب، وتغيير جذري لوظيفة الأجهزة الأمنية.
إذا كان الحموشي والضريس والطيب الشرقاوي والخيام وحصار وباقي مسؤولي الأمن لديهم برنامج سياسي لاستئصال «الإسلاميين» أو المعارضين أو المشاغبين، فعليهم أو يؤسسوا حزبا، ويناضلوا للحصول على الأغلبية، ويدخلوا إلى البرلمان والحكومة، ويغيروا قوانين البلاد، ويعلنوا حكومة «أمنية» وأحكاما عرفية، وبعدها يفعلوا ما يشاؤون، أما الآن فهؤلاء ومن يقف وراءهم مجرد موظفين لدى الدولة التي يعلن رئيسها أنه متشبث بالعدالة والإنصاف وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا..
هل وصلت رسالة الخميس حيث نقل المعتقلون السياسيون الخمسة من سجن سلا إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان اعترافا من الدولة بخطئها وردا لبعض الاعتبار للذين ظلموا؟.. إنها رسالة مزدوجة للظالمين والمظلومين