مدونة الأسرة المغربية قراءة و مقاربة -ج 1-
تبوأت مدونة الأسرة في التاريخ المغربي الحديث مكانة جد متميزة, بحيث حظيت قبل وبعد المصادقة عليها, بل و بمجرد الإعلان الملكي عنها في افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابقة للبرلمان المغربي في العاشر من أكتوبر سنة 2003, بإجماع و إعجاب من طرف مختلف الفعاليات السياسية و المدنية و الجمعوية, سواء في الداخل أو الخارج, و هي المدونة التي يعول عليها كثيرا قصد تقويم ما اعوج في العلاقات الأسرية, و الإجابة على الإشكاليات التي تواجه المرأة المغربية بصفة خاصة,و الأسرة المغربية عموما, و وضع حد لجدال و نقاش سياسي و فكري أسال الكثير من المداد من قبل جميع الأطراف السياسية و فعاليات المجتمع المدني و الإعلام.
و إذا كانت مدونة الأسرة بصيغتها النهائية التي تحمل قانون رقم 70.03 الصادر بتنفيذها الظهير الشريف رقم 1.04.22, الصادر في 12 من ذي الحجة 1424, الموافق ل 3 فبراير 2004, و المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5184, بتاريخ 5 فبراير 2004, الصفحة 418, تشكل منعطفا فاصلا في تاريخ الأسرة المغربية, و حدثا هاما في التاريخ المغربي, على حد وصف العديد من الجرائد الوطنية الصادرة في نفس يوم دخولها حيز التنفيذ, فإن المصادقة عليها تتجاوز في أبعادها و دلالاتها تلك الأبعاد التشريعية و الآثار الإجتماعية للحدث, في وقت عرف موجة قوية من التدافع الإجتماعي و السياسي.
الإهتمام الوطني و الدولي لم يأتي بمحض الصدفة, إذ أنه لأول مرة في تاريخ ا لمغرب تحال مدونة تتعلق بالأسرة على البرلمان للمصادقة عليها, كمؤشر إيجابي لرد الاعتبار للمؤسسة التشريعية و تفعيلها و دعوتها إلى تحمل مسؤولياتها في هذا المجال, كما أن المدونة في صيغتها النهائية هي تمرة لنقاش فكري و اعتمد فيها نهجا شوريا بين مختلف المرجعيات و الإيديولوجيات, بالإظافة إلى احترام المرجعة الإسلامية و تغليبها على غيرها من المرجعيات, كما تم تأكيد ذلك في خطاب صاحب الجلالة حين قال أنه بصفته أمير للمؤمنين لا يمكن أن يحرم ما أحل الله أو يحل ما حرمه, واضعا بدلك حدا لخلاف ساد الساحة السياسية و الفكرية حول المرجعة التي يجب أن تحكم تعديل و إصلاح المدونة.
و إذا كانت كل المكونات المدنية و السياسية للمجتمع المغربي قد أجمعت على وجاهة التعديلات التي أتت بها المدونة و أهميتها و قدرتها على تحسين واقع المرأة المغربية, في وقت لا تزال فيه في مراحلها التطبيقية الأولى و ما يمكن أن يكشفه الواقع العلمي من سلبيات قد تؤثر على مدى قدرتها على إصلاح أوضاع المرأة المغربية و الأسرة المغربية تبعا لذلك, خصوصا و أن تطبيقها و حسن تطبيقها يحتاج إلى جهود تربوية و تثقيفية و توعوية بل و قضائية, متوقف إلى حد كبير على وعي عموم المواطن ين بمقتضياتها و بالإطار العقدي و الخلقي و التربوي الذي تضمنه المدونة من أجل إقامة أسرة متماسكة, على اعتبار أن للقوانين أثرا في التغيير لكن ليس بالقانون وحده.
و لدراسة هذا الموضوع ارتأيت تقسيمه إلى فقرتين, أتعرض في الفقرة الأولى للمسار التاريخي لتطور حركة إصلاح المدونة ولآفاقها المستقبلية على أن أتناول في فقرة ثانية لأهم المستجدات التي أتت بها و مدى انسجامها مع مقتضيات الشريعة الإسلامية و متطلبات العصر كل ذلك في دراسة جد مركزة و مختصرة, نظرا لضيق الوقت من جهة و لشساعة المواضيع المتعلقة بالمدونة و تعقيداتها من جهة أخرى, نظرا لطابعها الخاص.
أولا : المسار التاريخي لتطور حركة إصلاح مدونة الأسرة و أفاقها المستقبلية :
يعتبر القانون عموما ظاهرة مرتبطة بالمجتمع ارتباطا عضويا, ذلك أنه لا يمكن تصور جماعة بشرية منتظمة و لو بصورة بدائية, دون أن يتم هذا التنظيم وفقا لأحكام و قواعد تحرر سلوك الأفراد داخل هذه الجماعة.
و باعتبار القانون وليد المجتمع, و صورة و فيه لمتطلبات و تطلعات أفراده فإنه يتطور بتطور الجماعة التي يسري فبها, و على هذا الأساس فقد ولد القانون بميلاد المجتمعات ا لبشرية و تطورها, لذلك فهو ليس تابثا و لا مقدسا بل هو قابل للتعديل و التغيير كلما تعارضت مقتضياته مع مصالح المجتمع, كضرورة يفرضها الواقع المتطور للمجتمع ذكورا و إناثا, و هو الحال كذلك بالنسبة لنصوص مدونة الأسرة التي جاءت بعد تاريخ طويل من الأحداث و الوقائع و التجاذبات السياسية و الفكرية بين مختلف مكونات المجتمع المغربي.
فقد بدأت المرحلة الأولى في سلسلة التطور التاريخي للمدونة بتاريخ 1957/8/19, عندما عين جلالة المغفور له محمد الخامس اللجنة الملكية الأولى التي كلفت بإعداد مدونة تنظم المجال الأسري في المغرب بشهور قليلة بعد الاستقلال, ترأس اللجنة الزعيم السابق لحزب الإستقلال, علال الفاسي, وجاءت في إطار سيرورة سياسية و اجتماعية فرضت ملئ الفراغ القانوني للمجال الذي من المفروض أنه ينظم الحياة الاجتماعية المغربية و قد تم إخراج مدونة 1957 بعد حوالي خمسة أشهر من تعيين اللجنة الملكية, تم دخلت المدونة مرحلة التجاذبات بعد ثلاث سنوات من إعدادها, بحيث بتاريخ 1960/3/4, صدر ظهير يتعلق بالزواج المختلط بغرض ضمان احترام شروط الزواج الواردة في مدونة 1957 تلتها مجموعة من التعديلات سنوات 1974,1971,197 0,1965, و ثم بتاريخ 1979/4/18 أنشأت لجنة ملكية لإخراج مدونة جديدة أعلن عنها رسميا يوم 1981/5/5 لم يعرف التطبيق بسبب الانتقادات الشديدة التي تعرضت لها.
و تعتبر سنوات التسعينات أهم المراحل التي عرفتها المدونة, نظرا للحركية الكبيرة التي شهدها هذا الملف, تعزز أساسا بمبادرة اتحاد العمل النسائي الذي اتخذ مبادرة في الثامن من مارس 1991 للإعلان عن انطلاق الحملة الوطنية من أجل تغيير المدونة بدعوى مخالفة نصوصها للدستور و الاتفاقيات الدولية, تلتها ندوة صحفية لنفس المؤسسة الجمعوية في الثامن من مارس سنة 1992 بالرباط قصد تجميع المطالب التي تشكل أيساس الحملة التي أطلقها الإتحاد عام 1991, مباشرة بعد ذلك و بالضبط في العشرين من غشت 1992 ألقى جلالة الملك الراحل الحسن الثاني خطابا أصبحت بمقتضاه مدونة الأحوال الشخصية من اختصاص الملك , و هو ما حذى به في الرابع عشر من أكتوبر 1992 لتشكيل لجنة التعديل مدونة الأحوال الشخصية برئاسة الأستاذ عبد الهادي بوطالب, توجت بإصدار مدونة الأحوال الشخصية بتاريخ 1993/9/10, ركزت التعديلات الأساسية فيها على الطلاق, بحيث وضعت حدا للطلاق الغيابي الذي كان يعطي الصلاحية للزوج لتطليق زوجته غيابيا و على الحضانة كذلك بحيث جعلت الأب يحتل المرتبة الثانية بعد الأم في ترتيب الحاضنين (ف 99 ), بعدما كان يحتل المرتبة السادسة قبل تعديل 1993 كما تم تحديد سن الحضانة في 2سنة للفتى و 15 سنة للفتاة بعدها يختار الاثنان الطرف الذي يريدان العيش معه, كما أصبح بالإمكان رفع دعوى استعجاليه قصد الحكم بالنفقة في مدة محددة ,كما كان أيضا ضمن التعديلات, إنشاء مجلس العائلة الذي أحدث بمرسوم ملكي غير أن الجمعيات النسائية لم تستسغ هذه التعديلات التي لم تحقق أغلب متطلباتها و عبرت عن استيائها منها. أملا في إيجاد مدونة قادرة على استيعاب الواقع الجديد للمرأة المغربية و يؤسس للعلاقة المتكافئة بين الرجل و المرأة تأسيسا على المرجعية الإسلامية إلى جانب المرجعية الدولية المتمثلة أساسا في المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة.
و لابد من الإشارة إلى أهم المحطات التاريخية التي سبقت صدور مدونة الأسرة, يتعلق الأمر بسنة 1999 حينما أطلق ما سمي بمشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية, و هو المشروع الذي يشكل منعطفا حاسما في الإعداد المادي و النفسي لظهور المدونة, بحيث أثار ردود فعل قوية من لدن المجتمع المغربي بمختلف فئاته التنظيمية و ال جمعوية بل و حتى الرسمية منها, بين مؤيد و معارض, بدء باللجنة العلمية التي أنشأتها وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية,و مرورا بالبيانات المتكررة لرابطة علماء المغرب و مختلف فروعها, و جمعية العلماء خريجي دار الحديث الحسنية,و من خلال البيانات الصادرة عن العديد من الهيئات و الجمعيات والأحزاب الأخرى, و كذلك المسيرات الرافضة لها و يتعلق الأمر أساسا بمسيرة الدار البيضاء المليونية, بالمقابل نادت مجموعة من فعاليات المجتمع المدني إلى تأسيس جبهة للدفاع عن حقوق المرأة, و النهوض بها و تطبيق بنود الخطة. و لكل من الاتجاهين مبرراته التي يستند عليها في تبني الرأي و الرأي الآخر , عموما فقد شكلت هذه الخطة النقطة التي أفاضت الكأس و تسببت أساسا في ارتفاع حدة النزاع بين جميع الأطراف المهتمة بالمرأة و الأسرة, الأمر الذي أستدعى التدخل الملكي لكن بشكل مختلف هذه المرة وذلك قصد الاستجابة لمتطلبات الساعة, عبر عنها في السابع و العشرين من أبريل عام 2001 حين أعلن عن تشكيل اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بتعديل بنود المدونة برئاسة الأستاذ إدريس الضحاك الذي تم استبداله بالأستاذ امحمد بوستة, فدخل هذا الملف منعطفا جد يدا بعد ذلك توج بحسم الخلاف مباشرة بعد الإعلان الملكي بقبة البرلمان في 2003/10/10, عن التعديلات الجوهرية في مدونة الأسرة التي سنتطرق إليها لاحقا.
و يبقى التساؤل المطروح, و هو تساؤل مشروع, حول أية آفاق لهذه المدونة, باعتبارها قانونا ينظم العلاقات الأسرية ,في النهوض بالمرأة المغربية كما هو معول عليها؟
لقد جاء في نص الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى للبرلمان المغربي, للسنة التشريعية 2004/2003: (أما بالنسبة للأسرة و النهوض بأوضاع المرأة,فإنني قد أبرزت إشكالها الجوهري غداة تحملي الأمانة العظمى لامارة المؤمنين ,متسائلا في خطاب 20غشت لسنة 1999,:كيف يمكن الرقي بالمجتمع , و النساء اللواتي يشكلن نصفه تهدر حقوقهن , و يتعرضن للحيف و العنف و التهميش في غير مراعاة لما خولهن ديننا الحنيف من تكريم و إنصاف).
حقيقة أن الوضع بالنسبة للمرأة المغربية, يدعو لضرورة التغيير و إعادة النظر, و النصوص القانونية , ليست هي الضمانة الوحيدة لتحقيق ذلك, كيفما كانت التعديلات و الإضافات التي تأتي بها,على الرغم من أهميتها, إذ العلاقة بين الرجل و المرأة ,ليست فقط علاقات تحكمها النصوص القانونية , و لكن أيضا علاقات إنسانية تق وم على أرض الواقع تنمو و تتفاعل, و تتطور مع هذا الواقع , لذلك فمدونة الأسرة ضرورة فرضها الواقع النسائي المتطور و الذي لم تعد النصوص القديمة (أعني مدونة الأحوال الشخصية) تستجيب لخصائصه و تناقضاته.
لقد جاءت المدونة لتنسجم مع التحولات المجتمعية التي عرفها الواقع النسائي خلال العقود الأخيرة, و دورهن المتزايد في النشاط الاقتصادي و الاجتماعي, و مع روح الدستور الذي يقر بالمساواة أمام القانون, و كذا الاتفاقيات و المواثيق الدولية المكرسة لحقوق المرأة, لكن فعالية مضامينها هي أشد ارتباطا بإصلاح شمولي على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي, الأمر الذي يستدعي الانتقال من التشريع إلى إرساء قواعد لهذا التشريع, على اعتبار أن النصوص القانونية لا تنشئ لوحدها إصلاحا بل قضية الإصلاح هي قضية مركبة تتداخل فيها أبعاد قانونية و مؤسساتية و ثقافية و تربوية.
فما هي أهم المستجدات التي أتت بها المدونة,و ما مدى انسجامها مع مبادئ الشريعة الإسلامية كخيار إيديولوجي و متطلبات التنمية كخيار سوسيواقتصادي ؟ذلك ما سأحاول طرحه بإيجاز في الفقرة الموالية.
ثانيا: قراءة في أهم مستجدات مدونة الأسرة, مع مقاربة إسلامية و وقتية:
يقول الأستاذ امحمد بوستة, رئيس اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية, أن مدونة الأسرة تعتبر إنجازا مهما لأنه تطرق إلى موضوع ذي حساسية كبيرة كان ينبغي أن يتطرق إليه بشيء من الحكمة للمحافظة على أمرين اثنين في نظره ,هما: أولا ,المرجعية الدينية التي لابد من المحافظة عليها في الشكل و في الجوهر, و المسألة الثانية,تتمثل في تفعيل الاجتهاد في دائرة المعطيات الإسلامية لتحقيق التماشي مع التطور الحاصل في العالم أجمع و في عالمنا الإسلامي بصفة خاصة. إذ لا يمكن أن نبقى خارج هذا التطور,خاصة فيما يتعلق بالأمور الأسروية,و فيما يتعلق بدور كل فرد من الزوجين,أما مسألة تطبيق المدونة فتتطلب مجهودا كبيرا يروم أولا تغيير العقلية لدى المواطنين بصفة عامة, و لدى القضاة و العدول و غيرهم من المكلفين بإعمال مقتضيات هذه المدونة بصفة خاصة.فإلى أي مدى نجحت المدونة في ذلك؟
لعل أول ما يمكن ملاحظته في هذا السياق هو تسمية المدونة ,بحيث جاء في الدليل العملي الذي أنجزته وزارة العدل أن اختيار اسم مدونة الأسرة ,هو لابراز الصفة المؤسستية للأسرة,و ما يترتب عن ذلك من التركيز عليها بهدف حفظ كيانها و صيانة حق كل فرد منها, و إشعا ره بالواجبات الملقاة على عاتقه داخلها في إطار من التوازن بين الحقوق و الالتزامات المتبادلة بينهم.
هذه المدونة تطالعنا من خلال المادة الرابعة بتعريف جديد للزواج,أنه ميثاق تراض و ترابط شرعي بين رجل و امرأة ,على وجه الدوام,غايته الإحصان و العفاف و إنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة.
هكذا ,جسد هذا التعريف الإعلان عن المساواة بين الأزواج في تحمل الأعباء الأسرية, كما تم تكريس قاعدة المساواة في الحقوق و الواجبات, و كذلك في سن الزواج من خلال المادة 19 من المدونة, و الذي حددته في 18 سنة للرجل و المرأة على حد سواء, مع إمكانية تخفيضه بإذن من قاضي الأسرة بمقرر معلل, و غير قابل لأي طعن.و بالتالي فلم يعد هناك مجال للتفرقة بناء على المؤشر الجنسي,و هذه استجابة للمطالب النسائية المتكررة المبنية على مبررات تعود بالأساس إلى المشاكل التي كانت تحصل من جراء بعض حالات الزواج المبكر ,حفاظا على حق الفتاة الصغيرة من حقها في إكمال تمدرسها قبل التحمل بأية التزامات زوجية تفوق قدراتها التحملية. و تفادي السلبيات الناتجة عن الولادة المبكرة و تأثيرها الخطير على حياة الأم و الطفل. إضاف ة إلى محاولة توحيد سن الزواج بسن الرشد القانوني و السن القانوني للتصويت و غيرها,و قد أخذت المدونة في هذا المجال بالفقه المالكي الذي يستوجب إتمام 18 سنة للذكر و الأنثى,خلافا لباقي المذاهب الأخرى .
التجديد الآخر, يتعلق بالولاية,بحيث نصت المدونة على تخيير المرأة الرشيدة في أن تزوج نفسها بدون ولي, أو تفوض ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها, في المادتين 24و 25.
هكذا, نجد أن المدونة قد سلكت منحى مدونة سنة 1957 لكن بشكل اكثر إنصافا للمرأة هذه المرة, إذ كانت المادة 14 من مدونة 1957 تنص على أنه إذا زوجت المرأة نفسها من غير موافقة الولي, فان كان الزوج كفئا لزم العقد و إلا فللولي فسخ العقد, رغبة من المشرع في مراعاة مصلحة الزوجة و استقرار الأسرة,و أخذا بنظرية أن العقد في الزواج يهم المتعاقدين الذين هما الزوج والزوجة قبل غيرهما, في مدونة أريد لها آنذاك أن تكون أول الغيث في مسلسل مغربة القوانين.ثم تأتي بعد ذلك مدونة 1993, لتتراجع عن هذا المكسب الذي طالما شغل مجالا واسعا من مناداة الجمعيات النسائية, التي تمت الاستجابة لها من خلال المادة 24 من المدونة التي تنص: الولاية حق للمرأة الرشيدة حسب اختيارها و مصلحتها. و للرشيدة حسب المادة 25 أن تعقد زواجها بنفسها أو تفوض ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها.
و قد أخذت المدونة هنا بالمذهب الحنفي,خروجا على مبدا الوحدة المذهبية في إطار المذهب المالكي, لكن في إطار المرجعية الإسلامية, على اعتبار أن قضايا العصر و التطورات الهائلة التي يعرفها لا يمكن أن يسعها فقه مذهب واحد, و إنما تسعها أصول الإسلام كاملة, و اجتهادات علمائه أجمعين, و قع حسب اختيارها و مصلحتها, جاء اعتمادا على أحد تفاسير الآية الكريمة القاضية بعدم إجبار المرأة على الزواج بغير من ارتضته بالمعروف,و هي الآية 232 من سورة البقرة: و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن,فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف.هذا الرأي في جعل الولاية اختيارية , هو رأي لبعض فقهاء المذهب الشافعي أيضا,خلافا لرأي الجمهور و منهم الفقه المالكي الذي يعتبر الولاية شرط لصحة العقد.
و المدونة الجديدة اختارت موقفا وسطا,فهي أبقت على الولاية و لم تسقطها بالمرة, كما طالبت بذلك بعض الجمعيات النسائية,و لكنها تركت الخيار للمرأة,تبعا للظروف و الأسباب .و يلاحظ أن هذا الاختيار جاء في سبيل تفادي المشاكل الناجمة أساسا عن التأخر في سن الزواج و توفير إمكانية لتمدرس المرأة و مشاركتها في الحياة العملية, استجابة للتطورات الحاصلة في هذا المجال.
و بخصوص التعدد, فقد استغرق حيزا هاما من الوقت من لدن اللجنة ,و تم التنصيص على مقتضياته في المواد من 40إلى 46من المدونة, بحيث نصت المادة 40 على انه يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات , كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها.و بمقتضى هذه المادة أصبحت إمكانية التعدد شبه مستحيلة, عندما ربطه واضعي المشروع بشروط صارمة, تحت مراقبة و موافقة القاضي.
و تجد حالة المنع المنصوص عليها في الفقرة الأولى سندها الشرعي في الآية الكريمة: فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة.., و أن الحق سبحانه نفى هذا العدل في قوله تعالى: و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء و لو حرصتم.أما الحالة الثانية فتجد سندها في القاعدة القانونية: العقد شريعة المتعاقدين الذين عليهما احترام ما التزما به في العقد, و بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه, مقاطع الحقوق عند الشروط .و سمحت المدونة استثناء لمريد التعدد تقديم طلب إلى المحكمة, متضمنا بيان الأسباب المبررة لطلبه,و مرفقا بما يثبت وضعيته المادية, و قيدت ذلك بضوابط و إجراءات صارمة .خصوصا و أ ن التجربة أبانت عن تعسف الكثيرين من مريدي التعدد في استعمال هذه الرخصة, و عدم التزامهم بالجانب الأخلاقي و الوازع الديني الذي يشترطه النص و هو ضرورة العدل بين الزوجات,و ضرورة توفر أسباب جدية و موضوعية, و كانت النتيجة حيف و ظلم في حق الزوجة المتزوج عليها دون احترام المقاصد الشرعية في ذلك.و لعل المدونة قد راعت من خلال هذه المقتضيات,حماية الحلقة الأضعف في العلاقة الزوجية /الزوجة و الأطفال /.